الأحد، 14 فبراير 2016

مسرح النافذة؛ قصة قصيرة
إلسا إيشنغر
ترجمة: تاج الدين محمد



إتكأت السيدة على النافذة تنظر من خلالها وكانت الرياح تهب بطرقعات خفيفة من جهة النهر دون اﻹتيان بأمر جديد. لقد كانت تحدق على نحو فضولي وبنهم لا ينتهي. حيث لم يقم أي شخص بإسداءها معروفاً بالمرور بمحازاة شقتها. إذ أنها كانت تقطن في الطابق قبل الأخير لذا كان الشارع سحيقاً إلى اﻷسفل لقد كانت اﻷصوات من اﻷسفل تصلها عبارة عن همهمات. كل شيء كان سحيقاً إلى الأسفل. عندما أرادت أن تغادر النافذة، لمحت الرجل العجوز في الشقة المقابلة لشقتها قد أضاء مصباحه. ولأن الظلام لم يُخيم بعد خَلق هذا النور في السيدة إنطباعاً غريباً كالذي تخلقه مصابيح الشارع المُضاءة في وضح النهار ،كما لو أن أحدهم أشعل شمعة على نافذة الكنيسة قبل ان يغادر الموكب الكنيسة. لزمت السيدة مكانها على النافذة.

فتح الرجل العجوز النافذة و أومأ برأسه بإتجاه السيدة. "هل يقصدني أنا؟؟" تسائلت السيدة. لقد كانت الشقة في الطابق الذي يلي شقتها فارغة أما الشقة التي بالطابق اﻷسفل كانت عبارة عن ورشة تُغلق في مثل هذا الوقت. قامت السيدة بالمقابل بهز رأسها، فأومأ الرجل برأسه مجدداً. ثم وضع الرجل يده على رأسه فأكتشف إنه لا يعتمر قبعة فأختفى بداخل الغرفة.

بعد برهة من الوقت عاد الرجل مجدداً معتمراً قبعة و مرتدياً معطفاً. ثم خلع قبعته و إبتسم. بعدها أخرج منديلاً أبيضاً من جيبه وبدأ بالتلويح به ببطء في بداية اﻷمر و من ثم بدأ بتلويحه بهمة أكثر في كل مرة. مال بجسده خارج حافة النافذة وبدا كأنه سيهوى من النافذة. خَطت السيدة خطوة إلى الوراء، ولكن أدى ذلك إلى تحفيزه أكثر فأسقط المنديل وحل الشال الملفوف على رقبته ــ شال عريض ذو ألوان زاهيةــ وتركه يرفرف وإستمر في اﻹبتسام. وعندما خطت السيدة مجدداً خطوة إلى الخلف، قذف الرجل قبعته بحركةٍ درامية وتركها تهوي إلى اﻷرض. وقام بلف الشال على رأسه فبدت كعمامة وربع ذراعيه ووضعهما على صدره وأحنى رأسه. لقد كان يغمز بعينه اليسرى كلما رفع رأسه إلى أعلى وكأن بينه وبين السيدة إتفاق مسبق على فهم سر ما. حيث إستمرت السيدة باﻹستمتاع بالعرض و فجأءة فكل ما كان بإمكانها رؤيته كان بنطاله المخملي معلقاً في الهواء، لقد كان يقف على رأسه. عندما أطل بوجه البشوش مجدداً لقد كانت السيدة قد أبلغت الشرطة.

بينما كان الرجل يظهر ويختفي من النافذتين لافاً نفسه بالشراشف لقد كانت السيدة قد تمكنت من تمييز صوت صافرة عربة البوليس على بعد ثلاثة شوارع. على من الرغم من صافرات الترام وضجيج المدينة المكتوم. ﻷن صوتها بدا متحمساً بعد الشيء لم تستطيع السيدة أن تشرح اﻷمر على نحو واضح. لقد كان الرجل يبتسم فتظهر على وجهه تجاعيد غائرة وبحركة ما يضع يده على وجهه و يزيحها فيظهر بوجه جادٍ. فبدا كأنه ينزع إبتسامته من وجه و يخفيها في تجويف يده ويقذف بها إلى الشارع. لم تُشيح السيدة ببصرها عن الرجل حتى وصلت عربة الشرطة.
 
نزلت السيدة إلى أسفل و أنفاسها تتلاحق. لقد كانت الجموع قد إحتشدت حول عربة البوليس. قفز رجال البوليس من على العربة فتبعتهم الجموع إلى سلم المبنى. عندما حاول رجال البوليس إبعادهم تذرعوا بذريعة إنهم من سكان المبنى إذ أن بعضهم تبع رجال الشرطة إلى أعلى حتى مقصدهم. بعد أن طرقت الشرطة جرس الباب دون جدوى ــ يبدو أن جرس الباب كان معطلاً ــ فقام رجال بكسر الباب بينما كانت الجموع تشاهد بإندهاش لكل ما يحدث، لقد قام رجال البوليس بكسر الباب بدقة و سرعة يحسدهم عليها أي لص. حتى إنهم لم يترددوا لثانية في الدخول إلى الصالة التى تُطل نافذتها على الفناء، فقام إثنان من أفراد الشرطة بخلع حذائيهما و التسلل إلى ركن الصالة المظلمة وفإصطدما بدولاب الملابس فلاحظا ان هناك ثمة ضوء في نهاية ممر قصير، فخطوا بإتجاه الضوء لقد السيدة تتبعهم كذلك. عندما دفعوا الباب وجدوا الرجل لا يزال واقفاً على النافذة مولياً إياهم ظهره، وقد كان ممسكاًً بمسندٍ كبير أبيض يضعه على رأسه تارة و يزيحه تارة أخرى كأنه يريد أن يخبر شخص ما إنه يود الذهاب إلى فراش النوم. ومن ثم قام بلف السجاد اﻷرضي حول كتفه فبدا كأنه فاقد للسمع لذا لم يلتفت إلى رجال الشرطة الذين كانوا قد إقتربوا منه كثيراً. فألقت السيدة بنظرة من مكانها إلى نافذتها المظلمة. لقد كانت الورشة في الطابق اﻷسفل مغلقة كما توقعت. ولكن لابد من أن الشقة بالطابق اﻷعلى قد إنتقلت إليها أسرة ما حديثاً. حيث أن هناك قضبان سرير على نافذة مضيئةٍ  هناك صبياً على السرير ممسكاً بقضيب السرير وقد كان ممسكاً بمسندٍ أيضاً و ملفوفاً ببطانية حول كتفه وكان يقفز من على السرير ملوحاً بيديه للرجل العجوز بفرح غامرٍ. يضع يده على وجهه وينزع عنها اﻹبتسامة. وبدا كأنه يخفي اﻹبتسامة في تجويف يديه لثانية ويقذف بها بكل ما أوتي من قوة في وجوه رجال الشرطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق