الأربعاء، 29 مارس 2017

مسألة المعارضة الأسلوبية في رواية (العطر) لـ باتريك زوسكند

جوديث رايان 1
مسألة المعارضة الأسلوبية
في رواية (العطر) لـ باتريك زوسكند
ترجمة: تاج الدين محمد


إن ظاهرة المعارضة اﻷسلوبية في اﻷدب (Pastiche)2 من وجهة نظر النقد الما بعد حداثي هي عملية التهام جزافي (Random Cannibalization) لمجمل أساليب الماضي، فهي عبارة عن لعبة من التلميحات الجزافية (Random Allussions). في نهاية رواية العطر تم التهام الشخصية المحورية نفسها ولكن ليس قبل أن يُبرز الكاتب عملية التهام لأساليب الماضي مرفوعةً إلى أقصى براعة أسلوبية وهاجة.
 لاحظ العديد من النقاد التلميحات غير العادية في رواية العطر عند صدورها. ولكن اﻷمر الذي كان أقل وضوحاً في الحقيقة هو أن اﻹحالات التناصية تركزت بكثافة على حقبتين من حقب اﻷدب: الرومانطيقية(Romanticism)  والرمزية/ الجمالية(Symbolism/Aestheticism) . يوحي تركيز الرواية على هاتين الحقبتين - اللتين يعتبرهما مؤرخو اﻷدب مرتبطتين ببعضهما البعض - أن هناك الكثير على المحك وأن اﻷمر ليس ببساطة مجرد استيلاء جائر أو تغوُّل جزافي على أساليب الماضي. نودُّ هنا أن نحاجج الرأي القائل: أن رواية العطر لا تعدو أن تكون تمرين تجريبي للنزعة الما بعد حداثية أو مجرد خليط من التلميحات الأدبية الجزافية.
فضلاً عن ذلك، فإن القصة المحكية في الرواية هي عبارة عن إستعارة تهكمية (Ironic allegory) للطريقة التي بُنيت بها الرواية؛ فصانع العطر يرغب في محاكاة كل الروائح الموجودة سلفاًعلى غرار مؤلِّف الرواية الذي قام باستيلاءات على نطاق واسع من نصوصٍ موجودة سلفاً. إن طريقته في القيام بذلك تطرح ذات اﻷسئلة على المستويين الجمالي واﻷخلاقي على حد سواء، كما تقوم بذلك الطريقة التي رُكبت بها الرواية نفسها. من المؤكد أن مشهد الالتهام اﻷخير في الرواية - بانحرافاته المفاجئة، غموضاته المتعددة وتأثيراته المفكِّكَة لذاتها هي بمثابة تجسيد نهائي لنوع محدد من معالجة ما بعد حداثية تطرحها الرواية.
ولكن قبل أن نتعقب هذه الحجج فنحن بحاجة إلى أن نجد موطئ قدم في هذا النقاش الزَلِق حول مصطلح ما بعد الحداثة (Postmodernism) الذي تم في هذا البلد [تقصد أمريكا]، وانتشر حديثاً في النطاق المتحدث باﻷلمانية. تردد العديد من مؤرخي اﻷدب في تبني مصطلح ما بعد الحداثة بأية من الأساس ، ولكن هنالك محاسن معينة للاستعمال الحذر الذي يُعرَّف ما بعد الحداثة ويميزها من ناحية، عن النزعة الحداثة العليا(High Modernism)3 وحركة الطليعة الأدبية التاريخية (avant-garde)، ويميزها من ناحية أخرى كإتجاه أدبي معين داخل طيف واسع في اﻷدب المعاصر بأسره. يقوم العمل النموذجي داخل اﻹطار الما بعد حداثي على سمة أساسية ألا وهي: "التشفير المزدوج"(Double Coding) الذي يخاطب كل من النخبة المثقفة والمتلقين العاديين، أو بدقة أكثر يمكننا أن نطلق عليها عملية "التشفير المتعدد" (Multiple Coding) الذي يتحدث مستخدماً مستويات عديدة مختلفة ويتوجه إلى العديد من المتلقين في الوقت ذاته. وبالتطبيق على النصوص اﻷدبية سيعني هذا أن النزعة الما بعد حداثية تحمل في طياتها نوع محدد من التهكم عن طريق بعث رسائل آيديولوجية متناقضة؛ محافظة وثورية في نفس الوقت. يواجه النقاد صعوبة في التعامل مع النصوص الما بعد حداثية ﻷنها تروق لحشد من المتلقين غالباً ما لا تؤخذ أحكامهم على محمل الجد من قبل النُخب النقدية الأدبية، هذا من ناحية، بينما تعمد النصوص أيضاً إلى التلميحات المتعددة والتي هي بصورة رئيسة المجال المناسب للنقد نفسه. تقع كل من المعارضة الأسلوبية والبارودي "المحاكاة الساخرة" في قلب اﻷدب الما بعد حداثي كما لاحظ ذلك العديد من المنظرين. لكننا نقترح على الرغم من ذلك أن اﻷمر لا يتعلق فقط باستهداف نوعين من المتلقين، بل إن الحالة الشاذة للنصوص الما بعد حداثية بوجودها في منطقة ما بين المعارضة الأسلوبية والبارودي تجعلها عصية على التقييم. تعتبر رواية العطر مثالاً جيداً لهذه المشكلة. على الرغم من أن المعارضة اﻷسلوبية تعتبر أدنى مرتبة - ﻷنها مشتقة أو في أحسن اﻷحوال نسخة محايدة أو فارغة من (البارودي) - فإنها تستحق أن توضع في الاعتبار مع أنها لا تعمل على الأرجح كإستراتيجية إيجايبة ذات منطق داخلي خاص بها في ظل ظروف معينة. لإعادة تقييم المعارضة الأسلوبية بهذه الطريقة سيعني هذا إعادة التفاوض حول الحدود بين النوستالجيا والنقد وهو ما أدى إلى ترك العديد من النصوص الما بعد حداثية عرضة للهجوم. يفرض اﻷمر أيضاً مراجعة القيم الأدبية الموروثة من حقبة 1800 القائمة على فكرة العبقرية واﻷصالة والكونية، التي لا زالت تهيمن على فكرتنا عن قيمة العمل اﻷدبي.
هنا سأدَّعي أن رواية العطر لباتريك زوسكند لا تبرز مثل هذه المشكلات فحسب بل هي نفسها بمثابة مساهمة في نقاشها. هو نصٌ أخذ على عاتقه مهمة إعادة التفكير في القيم الأدبية، وأكثر من ذلك، فإنه يرغمنا على مراجعة مفاهيمنا حول كيفية إشتغال النصوص اﻷدبية من كلتا الناحيتين: علاقته بالنصوص اﻷخرى وبالآليات الداخلية للنصوص نفسها. هناك روايات أخرى ما بعد حداثية - مثال بارز لها "إسم الوردة" ﻷمبرتو إيكو - تقوم بنفس الوظيفة، ولكن رواية العطر أكثر دقة في الطريقة التي تُنجز بها مهمتها لذا فهي أكثر صعوبة  في الإكتناه عبر منهجياتنا النقدية المعتادة. دعنا في البداية نلقي نظرة على مسألة التشفير المزدوج أو المتعدد: ندرك من مستهل الرواية أنها تخاطب كل من جمهور السوق العام والنخبة المثقفة؛ إذ أن الرواية صعدت بسرعة لقائمة الكتب اﻷكثر مبيعاً في الدول الناطقة باﻷلمانية في البداية ومن ثم عن طريق الترجمة  في العالم الناطق بالإنقليزية وفرنسا. ومن كان يسافر كثيراً يمكنه أن يلمح الرواية في واجهات عرض الكتب في جميع المطارات. ومع ذلك، توصف الرواية مِن قِبل طلاب الأدب بتقاليد صفوية ويقدرها ذوَّاقة اﻷسلوب لجزالتها اللغوية وجرأة لعبها الفانتازي. لا مندوحة من الاعتراف بأنها وجدت أيضاً الكثير من الناقمين الذين ظهروا بسرعة في هيئات مراجعة الكتب كما في مناقشات خاصة على نحو متساوٍ مع المعجبين. هناك أمر ما في هذه الرواية أَقَضَّ مضاجع الكثيرين.
كانت سمات التشفير المزدوج جلية بشكل مباشر في هذه الرواية كما هو الحال في رواية إسم الوردة: استمتع بعض القراء بحبكة الرواية شبه البوليسية وسلسلة جرائم القتل المثيرة بوضوح التي تنعرج فيها الرواية، قدَّر آخرون التلميح اﻷدبي الذي جعلهم يشعرون بأنهم مثقفين و"على دراية" بصورة ما؛ بيد أن هناك مدى من الاهتمامات تتراوح بين هذين القطبين: القراء الذين انبهروا بالاستدعاء التفصيلي لذكريات مدينة باريس القرن الثامن عشر في مستهل الرواية، والقراء الذين تفاعلوا مع ثيمة العطر كما كانوا ليفعلوا مع شواهد اجتماعية حديثة - غالباً ما تكون مشوقة - وتشدد على الأزياء أو مجالات أخرى للحياة الخاصة، القراء الذين وجدوا ابتهاجاً فظائعياً في انحرافات وعنف تلك الحقبة والشخصية التي تجسدها، القراء الذين تذوقوا اللغة العابقة بالتقاليد الأدبية القديمة، القراء الذين رأوا فيها تحدي متاهة استعارية، وغيرهم الكثير. إن جزءاً كبيراً من جاذبية الرواية يكمن في اقتفاء مسار واحد من هذه المسارات أو نسج العديد منها سوياً؛ وبهذا المعنى فمن السهل أن نرى العطر كرواية متعددة الشفرات.
هنالك مشكلة واحدة تواجه هذا النوع من النصوص وهو مخاطبتها لأطياف عديدة ومختلفة من القراء، بالرغم من أن ذلك هو مصدر قوتها إلا أنه قد يعمل ضدها. إن القراء الذين انحازوا إلى مستوى واحد من المستويات المتعددة للرواية هم غالباً ما ينتهون إلى الإحباط: إذا كانت هذه قصة بوليسية فإن الغموض المتضمن فيها قليل بطريقة تثير التساؤل، أما لو كانت هذه رواية تاريخية فإنها قد فشلت بشكل ملحوظ حال تحول فضاء اﻷحداث من باريس إلى مكان جبلي قاحل في مشهد البيات الشتوي. من غير شك أن أكثر المظاهر أرباكاً في الرواية هو إنها راقت للذين لم يوفقوا في فهم شبكة التلميحات الأدبية والذين تعاملوا مع أسلوبها الرفيع البيِّن كتعبيرعن اﻷصالة اﻹبداعية. تعمد رواية العطر إلى مماثلة العناصر التي شُيدت منها على عكس ما هو موجود في روايات رواد الطليعة الأدبية التاريخيين التي تسمح بترك اﻹقتباسات واضحة فيها باﻹشارة إليها كأجسام غريبة ضمن مونتاج مشيد بوضوح. إن أولئك القراء من مدعي الثقافة الذين اعتبروا الرواية تحفة أدبية دون ادراك بنيتها الاقتباسية، قد أخذوا بتقنيات زوسكند المتقنة في المزج. وهناك آخرين أدركوا لغة شعرية مستقاة تغذي أسلوب الرواية دون أن يفهموا مبادئها التركيبية المعقدة؛ قرأوا السمات ذاتها بإعتبارها علامات اشتقاق، عليه فهي عمل إبداعي من مرتبة أدنى. وعلى عكس ما هو موجود في رواية إسم الوردة ﻷمبرتو إيكو حيث اﻹحالات إلى علم العلامات والنظريات اﻷدبية الحديثة اﻷخرى تنبه القارئ إلى وجود مستويات عدة للمعنى وقراءٍ محتملين آخرين، لا تحمل رواية العطر توسيماً محدداً لتشفيرها المتعدد. أعتقد أن هذه المشكلة أقل حدة بالنسبة لقراء الرواية المقصودين من الذين يقرأونها مترجمةً، فبعد كل شيء هناك نذر ليس بالقليل من التلميحات الأدبية هي في اﻷساس منتزعة من نصوص أدبية ألمانية معتمدة، فأي قارئ باﻷلمانية  قد يكون حفظ تلك النصوص من سنوات المدرسة. من المؤكد أن هذه التلميحات لن تمر دون ملاحظة وسيتم تصنيفها على ما يبدو في المراجعات حسب طبيعتها الاشتقاقية أو المقلِّدة. إلى الحد الذي قد نعرّف فيه النزعة الما بعد حداثية على أنها نوع من لعبة متقنة بين النص والمتلقي، فرواية العطر تقدم هذه العلاقة عن طريق دعوتها الضمنية للمتلقي ليتعقب التلميحات المتعددة بالقدر المستطاع.
ربما يشعر القراء الذين تعرفوا على التلميحات لنص آيشندورف Eichendorf4 "ليلة القمر"(Mondnacht) ونص كلاديوس Claudius5 "أغنية المساء" وقصيدة غوتةGoethe  "الترحيب والوداع"(Willkomen und Abshied) - دون الحاجة إلى ذكر اﻹحالات الواضحة لـ (فاوست) - أنهم مخولون لاعتبار زوسكند سليلاً شرعياً لتقليد شعريّ مهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن لمثل هذه اﻹحالات التي ترد بشكل سميك ومتسرع في أقسام عديدة من الرواية أن تطرح سؤال ما إذا كان هناك شيء أصيل حقاً في الرواية. تظل النماذج الرومانسية والغوتية [نسبة للشاعر الألماني غوتة] على مقربة من سطح النص وكذلك قصائد بودلير ورامبو وريلكه، باﻹضافة إلى أعمال أخرى من أعمال النزعة الجمالية مثل أريبور لهوسيمان Huysman. هناك بعض التلميحات أقل مباشرة، على سبيل المثال، العطر الذي يحاول غرينوي [الشخصية المحورية في الرواية] تقطيره من أجساد العذارى هو نسخة مشوهة من أقصوصة "تحلل عذارى" (Auflösung junger Mädchen) لهاينريش فون أوفتردنقنHeinrich vonOfterdingen 6. هناك الكثير من اﻹحالات لمن يود أن اقتفاء الأثر: حواديت الأخوة غريم الأسطورية "اﻷمير الضفدع"، أسطورة كاسبر هاوسر(Kaspar Hauser)، بيتر شليميل(Peter Schlehmih) لكاميسوChamisso 7، أسطورة بروميثيوس، تصور شافتسبيريShaftesbur 8 للشاعر بإعتباره ’الخالق الثاني بعد الرب، سلسلة اﻷحلام في نهاية "رات كريسبل"(Rat Krespel) لهوفمان 9 Hoffmann ، رسومات كاسبر ديفيد فريدريشCasper David Friedrich10، "معلم السحر"  (Sauberlehrlong) لغوتة و"دكتور فاوست" (Doktor Faustus) لتوماس مان، إذا أردنا إيراد القليل منها.
إن اﻷمر اﻷكثر إشكالية بالنسبة لقاريء الرواية بلغتها اﻷصلية ليس كثرة أو قلة اﻹقتباسات المباشرة في النص، ولكن المحاكيات [جمع محاكاة] المنجزة للأساليب اﻷدبية المعتادة. لقد كان إستخدام زوسكند للمعارضة اﻷسلوبية بشكل كبير هو المسؤول عن الاستقبال المرتبك للرواية في البلدان الناطقة بالألمانية. فمعظم لغة الرواية مستلفة مباشرة من نماذج سابقة ولا سيما وصفه للكيفية التي يستخلص بها العطر وهو ما قام بإقتباسه من بودلير وهويسمان حتى على مستوى إختيار المفردات. هل يعتبر هذا غنى تلميحي استثنائي أم عملية اعتماد أدبي صادمة؟
نحن معتادون على مثل هذه المشكلات من الحقبة الحداثة العليا وحقبة الطليعة الأدبية التاريخية حيث المونتاج في حالة ألفريد دوبلن Alfred Döblin11 والمعارضة الأسلوبية عند جويس وبروست والاستيلاء السافر على كلمات الكتاب اﻵخرين في حالة توماس مان، وقد كانت كل هذه الأفعال حينها مادة لنقاشات نقدية ملتهبة. تصالح القراء الحاذقين مع هذه الظاهرة عند الكتاب الحداثيين؛ إلا أن استخدام نصوص أخرى أصبح أمراً إشكالياً فيما يبدو في نصوص ما بعد الحداثة. فإن تهمة السرقة الأدبية (plagiarism) في حالة د.م. توماسD.M Thomas  12 مثلاً أكثر إلحاحاً واستعصاءاً على الحل عنها في حالة توماس مان. على الرغم من أننا قد أدركنا أن تقنية المونتاج الحداثي قد حولت ما بدا سرقةً أدبية إلى شيء آخر كلياً، إلا أننا لا زلنا نشعر بالريبة حيال الاستيلاء الما بعد حداثي على النصوص السابقة. يمكننا أن نعزي هذا اﻷمر إلى نوع الغريب من التلاعبية التي تفتقر إلى النزعة التهكمية لـ ألفريد دوبلن والجدية الرفيعة لتوماس مان.
على الرغم من صعوبة اتهام زوسكند بجريرة السرقة الأدبية، إلا أن هناك أمر مشوِّش حقاً حيال إعادة نسخه للصيغ المألوفة، واستدعاءاته عوالم الماضي اللغوية والأيقونية. في عمل تم الاحتفاء به لإبتداعه الخيالي، نجد أنفسنا في مواجهة عمليات اقتباسات وشبه إقتباسات ومحاكاة مزجت كلها سوياً لتعطينا خليطاً جديداً مدهشاً، حال العطور المصنوعة بدقة التي تدلل على العبقرية الفطرية لغرينوي الشخصية المحورية في الرواية. إن وجود غرينوي ككائن برمائي في الحدود بين الحالة البشرية والعوالم الطبيعية، نتانة الطبقة الدنيا وعبق طبقة النبلاء، التقاليد والإبداع، كل ذلك يجعل غرينوي بكل تأكيد جديراً بحمل إسمه. ليس من قبيل المصادفة أن يكون مشهد الحلم الرئيس في الرواية، الذي كان بمثابة نقطة تحول في نهاية البيات الشتوي لغرينوي في كهف جبل، يحدث في مستنقع ضبابي حيث اليابسة والماء بالكاد منفصلتان.
وحركة الرواية من المعارضة اﻷسلوبية إلى البارودي تحمل أيضاً طابعاً برمائيأ. هناك العديد من القراء عابوا على الرواية نهايتها الميلودرامية، وآخرون استاؤوا من الرواية ابتداءً من مشهد البيات الشتوي. بينما اعتمدت اﻷجزاء اﻷولى بصورة كبيرة على نصوص فرعية للرمزيين الفرنسيين (أشعار مثل النسر أو عطر غرائبي لشارل بودلير) أو نصوص كتاب ألمان من مطلع القرن كـ(الخيميائي) لريلكه وما يخطر على البال من فقرات محددة من "كراسة مالتا لاورس بريغا" (MalteLauridsBrigge)12، يغدو تأثير النزعة الرومانطيقية أكثر وضوحاً أثناء صعود غرينوي قمة الجبل الموحشة خلال حرب السبع سنوات. عندما يسمع القراء باللغة الألمانية أن غرينوى العظيم ".. ثم أبحر بجناجيه المشرعتين هابطاً من سحابته الذهبية عبر أرض روحه الليلية إلى بيته في قلبه..." و"أن عقله كان ثملاً على نحو مدهش، فسرت بداخله ارتعاشات لذيذة"13 سيجدون أنفسهم في طبوغرافيا مألوفة لا تخص مشهد الجبال بل تخص أنطولوجيا الشعر الألماني. أما بالنسبة للقارئ بغير اﻷلمانية فإن التصوير البصري لهذا المشهد يعوِّض  بلا شك عن تلميح لغوي مفقود. إن منبع اعجابنا بموهبة غرينوي وبراعته وإصراره وقدرته على السمو على جذوره اﻹجتماعية – وكلها صفات لا زلنا نُجِلَّها إلى اليوم- تخضع عند هذه النقطة لميلنا المعاصر لإعتبار الرفيع سخيفاً. بعيداً عن كونه كَبوة في تصوير قوة المخيلة، يجب أن يفهم الجزء الثاني من الرواية بوصفه بارودي للتقليد الرومانطيقي، حيث أن الإدراج المُقحم - والأقرب إلى الخراقة - للاقتباسات من الأنطولوجيا يقف كعلامة دامِغة على موقفها البارودي المُتعمَّد.
تتميز نهاية الرواية ببارودية أكثر من مشهد الجبال الذي يعتبر نقطة التحول المركزية في الرواية. إن القوة الكارزمية لشخصية غرينوي وتأثيرها على الجماهير هي محصلة محاكاته العبقرية لعطر البراءة، ومشهد تمزيق أوصاله بصورة شبه أسطورية والتهامه من قبل الجموع المسلوبة - فى قمة تخيليتهم الواعية - يبدو أمراً مختلفاً بحدة عن السرد التاريخي الذي أُستهلت به الرواية. مع ذلك، حالما نستعد لتوجيه تهمة أن هناك صدع ما غير ملتئم في بناء الرواية سنبدأ في التساؤل إذا ما كان النص بارودياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ﻷي درجة من الجدية ينبغي علينا أن نأخذ المعارضة اﻹسلوبية في مشهد محاولات غرينوي المبكرة لإستخلاص العطور، ومدى جدية الاستدعاء التاريخي لفرنسا القرن الثامن العشر فى الفقرة اﻹستهلالية؟. ألم تكن الفقرةُ اﻹستهلالية التحققَ اﻷكثر إكتمالاً لمحاكاةِ سرديةٍ تاريخية ــ سرديةُ شخصيةٍ أرغمتها عبقريتها، للمفارقة، أن لا تترك أثراً في التاريخ - أليس العبقري هو من يضع علامة في عصره/ها؟ (ودونك "عصرغوتة" على سبيل المثال) أليس التاريخ هو حكاية ما يترك آثاراً. بهذا المعنى تعيش رواية العطر وجوداً غريباً على الحدود بين المعارضة الأسلوبية والبارودي، فكلاهما يمثل شكلاً من أشكال تأمل الماضي ولكن بطريقة أدبية بالأحرى بدلاً عن أن يكونا مجرد شكل تاريخي من ذلك التأمل.
ما يميز ملامح المعارضة اﻷسلوبية والبارودية في هذه الرواية هو اعتمادها بصورة كبيرة على أساليب النصوص الفرعية للنزعات الرومانطيقية والرمزية والجمالية، علاوة على عدم إفتقارها إلى إحالات من النزعة الواقعية والطبيعية. من المؤكد أن إحجام زوسكند عن إستخدام التقنيات السردية التي تخص النزعة الحداثية جعلته يتمسك بتقنيات القرن التاسع عشر. على الرغم من ذلك تم تقديم غوته بجانبه اﻷكثر رومانطيقية- بحسب نظريات الذات العبقرية والمبدعة على سبيل المثال- حتى أن التلميح المقتضب لماتياس كلاوديوس ليس خلواً من التوافق مع الروح الرومانطيقية. السبات الشتوي في الجبل أثناء حرب السنوات السبع الذي دخل فيه غرينوي هو المعادل عند زوسكند للنوم التجديدي لدكتور (فاوست) في الجزء الثاني من مسرحية غوتة. توماس مان أيضاً حاضر كإمتداد متأخر لغوتة (عن طريق مسرحيته فاوست) وحتى أن ما أصاب غرينوي من قروح حارقة شبيهة بقروح أيوب، ذات الطابع السفلسي، تذكرنا أكثر بمعالجة توماس مان لفاوست. إن سلسلة التلميحات للشعراء التي بدأت ببودلير وإنتهت بريلكه تؤكد القدرات الخيميائية لفنان مبدع وأهمية الحس اﻹنطباعي اﻵسر كعناصر في العملية اﻹبداعية. هذا اﻹستدعاء المستديم  للتقاليد الرومانطيقية ليس من قبيل المصادفة. حتى أن الذي بدا في بداية اﻷمر كإستعادة لسمات فرنسا القرن الثامن عشر هو في الحقيقية تمظهرات للرومانطيقية. إن النماذج الواضحة للتنوير ليست غير ملوثة بالخرافة؛ على سبيل المثال: بيتر تيريه الذي أعادت له المرضعة الأولى غرينوي الرضيع  وهي مرعوبة "قد يكون مصيره متوقفاً على الدوار."  "التصور الخرافي للناس العوام" لهو نموذج أولي لشخصية الدكتور فاوست غير المحصن ضد مخاوف الشيطانية(Satanism): " فهو لم يدرس اللاهوت فحسب بل اطَّلَع على الفلسفة، واهتم إلى جانب ذلك بعلم النبات و الكيمياء،..."14 . إن هذا البارودي في مونولوج فاوست يدحض نزعة الشك عند بيتر تيريه. وعلى نحو مماثل فإن الماركيز دو لا تيل إسبناز] Marquis de laTaillade-Espinassأحد شخوص الرواية[  كاتب المقالات الطويلة حول "السائل القاتل"fluidum letale  في جريدة سكافاناس الذائعة الصيت؛ ربما يكون هو النموذج المناسب لرجل العلم في القرن الثامن عشر، بيد أن نظرياته حول اﻷرضانية والهوائية هي ما قبل رومانطيقية على نحوٍ جلي. حتى أن وصف مدينة باريس القرن الثامن عشر الوارد في مستهل الرواية والذي كان موضع إعجاب من قبل القراء يعود أكثر لبودلير وريلكه لوصفهم المراحل المتأخرة لوجود المدينة. تماثل العصور الكلاسيكية القديمة عندما يتم إستدعاءها بدرجة أقل النماذج الكلاسيكية لغوتة في "مراثي رومانية" (RomanElegies)عن مماثلتها لإستعادة الأساطير القديمة في أقصوصة هاينريش فون اوفتردنقن. إختراع غرينوي للعطر الذي يأسر كل من يشمه تذكرنا باﻷغنية اﻵسرة ﻷريون" ]في الأسطورة الأغريقية آريون[ التي حكاها التاجر لهاينريش عندما قابله وهو في طريقه إلى أوسبورغ. عملية تمزيق أوصال بينزيوس Pentheus في اﻹسطورة اﻹغريقية "إرديبيس" (Euripides) كفعل إنتقامي لمحاولته سحب الثقة من الآلهة ديونيسس تم تحوليها في رواية العطر إلى مشهد شبه باخوسي يظهر فيه غرينوي بهيئة رومانطيقية تماماً ليتم إنكاره أكثر من تدميره. أسطورة بروموثيوس - في هذه الحالة هي حكاية غرينوي العظيم الذي يطمح لإنتزاع إسرار حاسة الشم من الطبيعة لينافس بذلك اﻹله – قد تمت إستعادتها بأسلوب يذكر بالعاصفة والدفع (Sturm und Drang)15 لغوتة. فكرة النفس والحب التي تظهر في شكل قطعة من صورة بواسطة رسام القرن الثامن عشر أنطوني واتاو Antonie Wattau 16 تمت معالجتها في حبكة الرواية بمصطلحات هوفمانية واضحة ...  
 فوق ذلك فإن عرض الذات اﻹنسانية  في رواية العطر محدد بواسطة مفاهيم ما بعد التنوير، وفكرة إنسان بلا رائحة لهي إستدعاء لتصور كاميسو في" رجل بلا ظل" و كذلك لتصور "سيدة بلا ظل" (Frau ohne Shatten) لهوفمانستال (Hofmannstahl)17 أو"الأعمى" الذي يتجول في أرجاء مدينة باريس كصدع في كوب شاي للشاعر ريلكه. عندما فرغ غرينوي أخيراً من صناعة عطره والذي مكنه من التخفي على هيئة انسان " إعتقد الناس كما لو أن هناك شخصان"18 لقد أُخبرنا أنه إذا ما تم  إستخدام هذا العطر بواسطة شخص طبيعي فإنه سيبدو كما لو كان شخصين" و إن إستخدمه بشر له رائحة البشر لبدا لنا كأثنين من البشر، والأسوأ من ذلك، ككائن وحشي مزدوج،و ككيان لايستطيع المرء تحديد ملامحه لأنه متداخل ومشوش، كصورة قاع بحيرة على سطح متموج"19. يبدو الأمر كما لو أن فكرة القرين الرومانطيقية تتم رؤيتها من خلال عدسة إنطباعية. أفلح غرينوي في محاولته تقطير جوهر الوجود البشري بإستخلاصه من أجساد العذارى؛ ولكن في نفس الوقت، فإن ذلك يتناقض مع وجوده نفسه كلا كينونة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. عند هذه المفارقة الأساسية في التصور الرومانطيقي للجواهر وللجوهراني، فإن  وضعت الفردانية المنقسمة موضع التساؤل بواسطة الشخصية المحورية التي لا جوهر لها؛ والتي تتجول في عالم البشر على نحو غير ملحوظ. إذ أن الذات المنقسمة الخاصة بالنزعة الرومانطيقية تم الإستعاضة عنها بالذات المتشظية أو غير المعرفة الخاصة بالنزعة الجمالية. نستنتج من ذلك أن تعريف النزعة الما بعد حداثية "للذات بمصطلحات غاية في اﻹختلاف عن مصطلحات النزعة الإنسانوية الفردية والجوهر الإنساني" سيكون طمساً للسمات التي تستبقيها الرواية في حقيقة الأمر. ليس من قبيل المصادفة أن يكون مشهد التهام غرينوي الممزق الأوصال هو المرحلة اﻷخيرة التي يعبر من خلالها، مرحلة تتخطى بقصدية إلى ما وراء مفاهيم الذات التي جسدتها الرواية سابقاً. منذ تعريفه المبكر كشخص نكرة من الطبقة الدنيا في القرن الثامن عشر، يمر غرينوي بمرحلة الثنائية الرومانطيقية، ثم مرحلة الذوبان الجمالية لينتهي به الحال كذات ملتهمة (cannibalized self) في المرحلة الما بعد حداثية. بتلك الإشارات المتعارضة  التي تبعثها الرواية لقرائها فإنها موسومة بنزعات ما بعد حداثية جلية. تتغول رواية العطر على عدد كبير من النصوص السابقة لها اﻷمر الذي فيما يبدو يعزز إعجابنا كتعبير نموذجي عن عبقرية شخصيتها المحورية. ومن جانب آخر تحذر الرواية من المخاطر التي تحف بالعبقري والتي عبر ربطها بالسرقة اﻷدبية أو لغة المعارضة اﻷسلوبية يتم تقديمها كأمر أقرب بصورة غريبة لفعل من مرتبة أدنى أو حتى كأمرغير مشروع. علاوة على ذلك، بما أن العطار العبقري هو القاتل في الوقت ذاته تم تقديم الفن كدرب من دروب ما هو إجرامي. مثل هذه الفكرة بالتأكيد ليست بجديدة، فزوسكند يواصل بصورة إساسية في رواية العطر تقليد يصور الفن كفعل إجرامي ينتهي بشقاق متأرجح بين الفن وأخلاقيات المجتمع. لذا فإن غرينوي لا يفهم اللغة المجردة ولا سيما المفاهيم اﻷخلاقية، حيث أنه  كان نائماً طوال فترة الصراعات السياسية في أوروبا التي خِيضت فيها حرب السنوات السبع. ولكن في نفس الوقت فهو يجسد نموذجاً ثورياً لفردٍ من الطبقة الدنيا تمكن من الترقي في الحياة ليندمج على نحو خفي مع طبقة إجتماعية أخرى، على سبيل المثال: قبوله في المجتمع من قبل الماركيز دولا تيلاد إسبنازا بعد تجربة تحوله المفعم هوائياً(air-ventilated). إن تحول منظوره للعالم من الحالة الرومانطيقية إلى العقلانية أثناء وبعد بياته الشتوي في الكهف يوازي حلول السيطرة الإنقليزية والبروسية على مشهد السياسة اﻷوربية عوضاً عن السيطرة الفرنسية في نهاية حرب السنوات السبع. ففي صلب إنعزاله وإحجامه عن الحياة الاجتماعية والسياسية، يجسد غرينوي المفاهيم الجديدة التي بدأت تسود في نهاية القرن الثامن عشر والتاسع عشر. بغرض معالجة هذه المفارقة يمنح زوسكند إنعطاف الثمانينات بشكل خاص للقطبية الثنائية الفن- الحياة، حتى أن تجنب التورط السياسي الوارد هنا هو من نوع خاص، موقف سياسي خطير على وجه الخصوص. ومع ذلك يمكننا ملاحظة اﻹيماءات الجمالية لتقاليد النزعة الرومانطيقية والمابعد رومانطيقية من خلال مسار تتلمذ غرينوي وتسكعاته بأسرها وهو يتعقب اﻵثار المألوفة لما هو مقبول عموماً كجميل. إن المشهد اﻷخير من الرواية الذي يُمزيق فيه جسد غرينوي ويُلتهم من قبل الجموع يُفعِّل المفارقة المركزية في الرواية المطروحة على الحافة بين التجاوز والنقد. وبكلمات أخرى يستخلص لنا زوسكند نوعاً من جوهر الفن و يسمح له في ذات الوقت بالتبخر في الفراغ. بمعنى أن اﻷدب تم جوهرته بالتزامن مع وضعه في سياق أكثر نقدية: سياق مجتمع يمكن أن يشتغل فيه الأدب كتوليف وتهديد. التهام اللحم البشري عبر الحب - هو التأويل الغريب الذي يود الراوي عن طريقه إستقصاء هذه الخاتمة. إنها صرخة نائية من هاينريش فون أوفتردنقن وتحوله إلى صخرة أو شجرة باهرة أو حتى من نص  "المغنية جوزفين"20 التي أختفت وتسامت على ذاكرة شعبها. على الرغم من الوقع المطمئن لخاتمة الرواية " فاﻷول مرة في حياتهم فعلوا شيئاً عن حب"21، فإنها  أيضاً مربكة على نحو كبير. هذا الفصل اﻷخير من الرواية يتحرك في وجهتين في نفس الوقت، وذلك بوضع قيم العناية اﻹنسانية سلفاً موضع الشك عن طريق فقرة بارودية أكثر مباشرة من الفقرة التي تسبقها.
إذا ما عقدنا مقارنة بين التأثيرات المربكة لهذه الخاتمة وإستخدام جيمس جويس للمعارضة اﻷسلوبية في رواية (يوليسيس) من ناحية، وإستخدام المعارضة اﻷسلوبية  في ماريوس اﻷبيقوري لباتر22 سنرى بسهولة أكثر السمة الما بعد حداثية المحددة لتوظيف زوسكند لهذه التقنية. في الوقت الذي نجد فيه المعارضة الاسلوبية عند جيمس جويس إبتعادية، يهدف باتر ﻹبراز التماثلات، فعند جويس هنالك فجوة بين أدب الماضي العريق وأدب الحاضر اﻷكثر عادية، وعند باتر تشع نزعة جمالية عابرة للتاريخ من خلال الماضي إلى الحياة اليومية للراوي؛ معارضة جويس اﻷسلوبية  بارودية بالضرورة، في مقابل أثر السمو واﻹحتفاء في معارضة باتر الأسلوبية. تخلتف تقنية زوسكند عن هذين الحدين الأقصيين. باستدعائه للنصوص اﻷدبية المعتمدة يرى زوسكند الشاعر ككيان شبه إلهي وأعماله كصروح قائمة على بناءات خيالية مستقلة، تبين لنا رواية العطر إلى اي مدى لا نزال مرتبطين بالقيم التي يمثلها الأدب المعتمد، وذلك عن طريق وضع إستدعاءات أدب الماضي الذي لا يزال مبجلاً في سياق ينزع عنه أصالتها ليبدو مشوهاً في الوعاء الذي دُمج فيه. تضع رواية العطر استخدامنا لهذه الشذرات كمعايير انسانوية موضع التساؤل في وقتنا الحاضر. ان تقنية المعارضة اﻷسلوبية الموجودة في رواية العطر لهي إستراتيجة متعمدة لها أغراض آيديولوجية مهمة لاسيما في الدول الناطقة باﻷلمانية حيث اﻷدب المعتمد الذي تعيد بعثه  وإنتقاده لم يخضع بعد لنوع من التحليل البحثي الذي تم في هذا الجانب من اﻷطلنطي.
ـــــــــــــــــــ
الهوامش
1. أستاذة الأدب الألماني و المقارن بجامعة هارفارد.
2. تعتبر المعارضة الأسلوبية أحد أوجه التناص أي  تقاطع النص أسلوبياً مع نص آخر سابق أو محايث له، فالمعارضة الأسلوبية تختلف عن البارودي الساخر لموقفها الإحتفائي أو المحايد على الرغم من أنهاغالباً ما تكون هزلية الطابع.
3.الحداثة العليا: يستخدم هذا المصطلح للإشارة للمرحلة المحورية في الحداثة الأدبية التي حدثت في العشرينات،عندما صدرت الأعمال الأساسية لكل من ت.س إليوت، جويس، باوند، وولف، مان، كافكا، بروست وأندريه جيد. هناك إجماع كبير من قبل النقاد حول معنى  المصطلح، إلا أنهم يختلفون إختلافاً كبيراً حول أهمية وقيمة الأعمال التي تمثل هذه الحقبة. حيث يرى المؤيدون أن أعمال نزعة الحداثة العليا تمثل ذروة الأدب بوصفه فناً راقياً، بينما يَصِمها آخرون بالصفوية، الصعوبة، البطرياركية، الكولنيالية والرجعية. فوق كل هذه الأحكام، إلا أن السمات العامة للحداثة العليا جمالية في الأساس.  
4. جوزيف فون آيشندورف (1857-1788) شاعر ألماني من الحقبة الرومانطيقية.
5. ماتياس كلوديوس (1815-1740) شاعر ألماني من الحقبة الرومانطيقية.
6. شخصية أسطورية من العصور الوسطى.
7. آديلبيرت فون كاميسو (1781-1838) شاعر ألماني أشتهر بشخصية شليميل الرجل الذي باع ظله.
8. أنطوني اشلي كوبر (1671—1713) فيلسوف إنقليزي حاصل على لقب إيرل، كانت لأفكاره الفلسفية تأثيراً كبيراً على فلاسفة القرن الثامن العشر في كل من إنقلترا، فرنسا وألمانيا.
9. أي.تي.أى هوفمان 1776- 1822 كاتب وملحن ورسام كاركتير وقانوني بروسيإ إرتبط إسمه بالرومانطيقية، يشتغل على الفانتازيا والرعب.
10. كاسبر ديفيد فريدريش  (1774-1878) رسام ألماني من الحقبة الرومانسية.
11. ألفريد دوبلين (1957-1878) روائي ألماني أشتهر بروايته برلين ألكسندر بلاتس.
12. مالتا لوريس بريغا: الرواية الوحيدة للشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه صدرت 1910 في باريس عندما كان يعيش ريلكه هناك.

13.الرواية، ترجمة نبيل حفّار، دار المدى، ص 122
14. الرواية، ترجمة نبيل حفّار، دار المدى، ص 16

15. العاصفة والدفع حركة أدبية نشأت في القرن الثامن عشركانت تشدد في موضوعاتها على الطبيعة و الأحاسيس الفردية، كما كانت تحاول  معارضة  التقاليد العقلانية عصر. يعتبر الشاعران الألمانيان غوته وشيللر من أبرز أعضاءها.
16. أنطونيوني واتاو (1684-1721) رسام فرنسي أشتهر ببراعته في التلوين وقدرته الفائقة على تصوير المشاهد الحركية في لوحاته.
17. هوغو لاورينتس هوفمان فون هوفمانستال (1874-1929) روائي، كاتب اوبرا، مسرحي وكاتب مقالات نمساوي.
18. الرواية، ترجمة نبيل حفَّار، ص 142
 19. الرواية، ص 142
20.المغنية جوزفين وشعب الفئران: من آخر القصص القصيرة التي كتبها كافكا، صدرت بعد فترة وجيزة من وفاته.
21. الرواية، ص 239
22. فالتر باتر  (1739-1894)روائي و كاتب مقالت إنجليزي أشتهر برواية ماريوس الأبيقوري.

الأربعاء، 22 مارس 2017

لغةُ الطُّيورِ، ريتشارد سايكن


ترجمة: تاج الدين محمد








                       









 رأي الرَّجلُ طائرًا ووجده جَميلًا. كانت للطائرِ أُغنيةٌ بِداخلهِ، وريش. كان الرَّجل يَحسُ أَحيانًا أَنهُ مِثل الطَّائرِ وأَحيانًا مثل صَخرةٍ ــ صلبةٍ، لايمكنُ اجتنابُهاــ ولكنه غالبًا يَحسُ أنهُ مِثل طَائرٍ أَو إِن هُناك طائرٌ بِداخلهِ أَو شيءٌ ما يُرفرفُ بِداخلهِ مِثل طَائرٍ. دام هذا لِوقتٍ طَويلٍ.
2
رَأي رجل ما طَائرًا وأَراد رسمه. المشكلة، لَو كَانت هناك واحدةٌ، إِنها بِبساطةٍ في السُّؤالِ. لمَ يرسم طائرًا؟ لمَ القيام بأي شيءٍ من الأَساسِ؟ ولكن الأمر ليس في الكيفية، لأن الكيفيات سهلة ـــ تسلسلٌ أو تتابعٌ، قدمٌ تلو آخرــ ولكن من الناحية الوُجودية لِمَ كُل هذا الاكتراثُ، ما جدوى ذلك؟
وكَونك تُريدُ فقط أَنّ تَرسمَ طَائرًا، هلْ يمكن حقًا أنَّ يرسمَ طائرًا، هذا لا يَعني أنك أنجزتْ شيئًا. من الذي بإمكانهِ أنّ يقيسَ المَسافة بين التَّجربة وتَمثيلها؟ من الذي يتحكم في مَساراتِ التَّساؤلِ؟ نحن نستطيع، أي شخصٌ يستطيع.
طائرٌ أَسودٌ، قال الرجلُ، فلتكن إذًا، مفهرسًا ومعياريًا. لكنهُ لم يكن طَائرًا، بل رجلًا في ثيابِ طائرٍ، أكتافٌ زرقاء عوضًاعن الريشِ، لأنه لا ينظر إلى طائرٍ، طائرٍ حقيقي، عندما يرسم، بل ينظر إلى قلبه، وهذا مستحيل.
ما لمْ يكن قلبهُ مجازًا لقلبهِ، مثلما أن أي شيء مجازٌ لنفسه، لذا فإن النظر إلى اللوحة مثل النَّظر إلى طائرً ليس هناك، بأغنيةٍ في حلقه لا تريدُ أن تسمعها، ولكنك ترسم على أي حالٍ.
اليدُ صوتٌ بإمكانه أن يغني ما لن يغنهِ الصَّوتُ، وتريدُ اليدُ أن تفعل شيئًا مفيدًا. أحيانًا، في الليلِ، قبل أن أخلد إلى النومِ، أفكر في قصيدة قد أَكتبها يومًا ما، عن قلبي، يقولُ القلبُ.
3
نَظروا إلى الحيواناتِ. نظروا إلى جدرانِ الكهفِ. هذا كان من قبل، هؤلاء رجالٌ مختلفون. رسموا في وجودِ ضوءِ شعلة: معظمها كانت حمراء، أحيانًا سوداءـــ ماموثٌ، أسدٌ، حصانٌ، دبٌ ـــ أشياءٌ على الجدرانِ، لوحاتٍ جانبية أو مركبة ذات ديناميةٍ ونشاط.
لم يكونوا حيواناتًا، بل بدوا مثلها، حيواناتٌ بالقدر الذي يجعلُ الأمرَ مُربكًا. قصدوا شيئًا ولكن المعنى كان زلقًا: لم يكن هناك ولكنه بقى، بدا كأنه شيئًا ولكنه لم يكن شيئًا ـــ شيءٌ ثانٍ يتبعُ حزمةً ثانيةً من القوانينِ ـــ لقد فات الأوان: تأثيرهم عليه لم يعد مطلقًا.
ما هو الحي وماهو غير ذلك وما الذي ينبغي أن نفعل حياله؟ نظرياتٌ عن طبيعةِ الشيء والروح. لأن البشر يفنون. الخوف من أن لا شيء يبقى على قيد الحياة. الخوفُ الأعظمُ أن شيئًا ما يفعل
سماءُ الليلِ شاسعةٌ وعريضةٌ.
احتشدوا، كتفٌ بكتفٍ، رسموا أنفسهم في جماعةٍ، جميعًا بمعزل عن البقية. نظروا إلى السماءِ والطينِ، وإلى إيديهم في الطينِ، وإلى أصدقاءهم الموتى في الطينِ. دام هذا لوقتٍ طويل.
3
أن تكون طائرًا أو سربًا من الطيورِ يفعلون شيئًا سويًا، واحدًا أو كثيرًا، زرزورًا أو سربًا. أن تكون رجلًا على التلِ أو كل الرجال على كل التلالِ، أو نصفَ رجلٍ يرتجفُ في سربِ نفسه. هذه بعض الخيارات.
سماءُ الليلِ شاسعةٌ وعريضةٌ
لرجلٍ ما طائرين في رأسه ــ ليس فى حلقه، ليس في صدره ـــ ويُغنى الطائران طوال اليوم دون توقف. فكر الرجل: "أن أحد هذه الطيور ليس طائري". وافق الطائران.